تاريخ العطارة
العطارة والطب البديل..
رغم
أن العطارة تدرج اليوم تحت مسمى الطب البديل، إلا أنها كانت أصلاً
طبياً قديماً، جربها أجيال من الأجداد وتوارثها أبناء وأحفاد
ومارسها أهلها، يعلّمها الجد لابنه، ويأخذها الابن من الأب في
سلسلة من التجارب وثقة من المجرب، ويسمى مزاول مهنة العطارة
بالعطار أو الحواج هو الشخص الذي يبيع الأعشاب والنباتات العلاجية
ليتداوى بها الناس, وهو الذي كان يملك الخبرة الكبيرة في تحضير
العديد من الوصفات الشعبية.
لكن هل كل من باع مواد العطارة صار عطاراً؟..بالطبع لا لأن هذه المهنة تحتاج
خبرة عميقة جداً، وقديماً عبَرت عن الطب فأول من عمل بها هو الطبيب "ابن سينا"
وبالتالي فأن العطار لديه خبرة عميقة بمواد العطارة لكنه لا يستطيع بالطبع
الاستغناء عن الطبيب في التشخيص وإعطاء النصائح وهذا يعتبر تكامل وشراكة بين
العطار والطب الحديث.
أصول..
إن معظم أصول العطارة وموادها كانت شرقية هندية صينية أو إيرانية فارسية ومنها
ما هو مصري أو مغربي أو يمني، ولعل تركزها في هذه المناطق يعود لطبيعة العمق
التجريبي عند شعوب الشرق من جهة، ولما أعطى الله تلك البلاد من خيرات الأرض من
بذور وبهارات وأعشاب.
ورغم أن مواد العطارة قد عمت الأرض وتعرّف عليها حتى الغرب، إلا أنها مازالت في
مواطنها الأصلية تنبت برياً أو تزرع أحياناً ويتم حصادها وجمعها وفق شروط معينة
ومن هذه البلدان تصدر.
العطار.. صيدلي وطبيب
العطارون هم أطباء أو قل هم صيادلة يصف أحدهم الدواء ببديهة ودراية، وربما مارس
خبيرهم خلط البذور والأعشاب أو الجذور والأوراق فأخرج منها دواءً جديداً
مركباً، ولا تقتصر معرفة العطارين على فوائد وصفاتهم الدوائية وموادها، بل هم
على علم بمكامن الخطر، وسمّيات الزهور أو البذور التي يضعونها على أرفف
محلاتهم، وتتنوع العلاجات المستخدمة وأشهرها النباتية ثم المواد الحيوانية
فالمواد المعدنية وهي قليلة.
وقديماً كان العطار بمثابة صيدلي يعاضد الحكيم بل كان يحل محل الحكيم أحياناً
فهو يصف الأعشاب والمواد الطبية للحمى والأمراض الباطنة ويعالج ويداوي ما يصفه
له المريض من الآم ومعاناة، وكأي مهنة أخرى، فإن بين العطارين دخلاء وغشاشين
وأنصاف متعلمين وفاقدي خبرة، وهم على درجات أيضاً، فعلى الفَطِن أن يختار من أي
العطارين يأخذ الدواء.
العطارين وأسواق العطارة..
مع توسع مهنة العطارة واستفادة الناس منها أقيمت في المدن القديمة أماكن خاصة
وأصبحت تمثل أسواق عطارة تشمل جميع أنواع المواد التي تستخدم في العلاج والتي
تأتي من مختلف أنحاء العالم، ونكاد لا نجد مدينة عربية قديمة إلا وفيها زوايا
خاصة يتركز فيها دكاكين العطارين ففي مدينة القدس مثلا يشتهر سوق العطارين الذي
يحمل تاريخاً عريقاً وفي مدينة بيروت كذلك لا يوجد أشهر من سوق العطارين وفي
مصر بمدينة الاسكندرية يشتهر حي العطارين وفي دمشق يشتهر عطاريّ سوق الحميدية،
وفي اليمن بمدينة صنعاء القديمة يدهشك ذلك السوق ذو الزقاق الضيق والذي ينتشر
على جوانبه دكاكين وحوانيت العطارة الصغيرة ذات الأبواب الخشبية الجميلة.
ويشتهر بعض العطارين بألقاب وكنى معينة، فهناك شيخ العطارين وكبير العطارين
وعطار اليمن مثلاً وغيرها من المسميات التي تعتمد على خبرة وممارسة وعمر العطار
في ممارسة المهنة والبعض يرث هذا اللقب عن أبوه أو جده مثلاً.
العطارة وعودة بعد أفول..
عادت العطارة إلى السطح وبقوة مؤخراً، فبعد أن كادت تنقرض صار الناس أكثر
إقبالاً على محلات العطارة من ذي قبل خصوصاً وأن الطب الحديث عجز عن علاج
الكثير من الأمراض وأصبح يطلق عليها لفظ "مستعصية"، بل أن كثير من الناس صار
يهرب من الأدوية الكيميائية ذات المضاعفات والآثار الجانبية ويبحث في العطارة
عن العلاج الطبيعي والآمن كما كان يفعل الأجداد قديماً إذا ما أصاب احدهم مرض
أو علة ما.
ولا ننسى النساء، فقد حدثت ثورة كبيرة بعودتهن إلى الطبيعة وإلى الأعشاب
والمواد العلاجية خصوصاً فيما يتعلق بالجمال فصارت المرأة تحرص على استخدام
الحناء والغسول وصابون الغار والطين البركاني وغيرها من المواد الطبيعية
المتوفرة في محلات العطارة، وهكذا.. استرجعت الأعشاب التجميلية رونقها، وعاد
للعطار دوره في بيع وإعطاء الوصفات الطبيعية، وسبب هذا الرجوع إلى الماضي راجع
أساساً إلى الموجة التي يعرفها عالم التجميل اليوم، والتي أصبحت تدعو للعودة
إلى الطبيعة وإلى مكوناتها وتحذر من المواد الكيماوية المستعملة في مستحضرات
التجميل، كما أن انخفاض تكاليف المواد الطبيعية وبالمقابل ارتفاع أسعار
المستحضرات التجميلية العصرية له دور في هذه العودة.