الحجامة وعلماء المسلمين

الحجامة وعلماء المسلمين

ذُكرت الحجامة في كتب كثير من علماء المسلمين كُلاً تناولها بمفهومه الخاص.. ويبقى لزاماً علينا أن نذكر بعض ما كتبوه هؤلاء كما هو وباختلاف أوجهم تناولهم.

من قناة الدكتور سليم طلال كاتب المقال للأشتراك اضغط هنا

الحجامة عند ابن سينا

الحجامة تنقيتها لنواحي الجلد أكثر من تنقية الفصد واستخراجها للدم الرقيق أكثر من استخراجها للدم الغليظ ومنفعتها في الأبدان العبال الغليظة الدم قليلة لأنها لا تبرز دماءها ولا تخرجها كما ينبغي بل الرقيق جداً منها بتكلف وتحدث في العضو المحجوم ضعفاً‏.
ويؤمر باستعمال الحجامة لا في أوّل الشهر لأن الأخلاط لا تكون قد تحركت أو هاجت ولا في أخره لأنها تكون قد نقصت بل في وسط الشهر حين تكون الأخلاط هائجة تابعة في تزيدها لزيد النور في جرم القمر ويزيد الدماغ في الأقحاف والمياه في الأنهار ذوات المدّ والجزر‏، واعلم أن أفضل أوقاتها في النهار هي الساعة الثانية والثالثة ويجب أن تتوقى الحجامة بعد الحمام إلا فيمن دمه غليظ فيجب أن يستحم ثم يبقى ساعة ثم يحجم‏.‏
وأكثر الناس يكرهون الحجامة والحجامة على النقرة خليفة الأكحل وتنفع من ثقل الحاجبين وتخفف الجفن وتنفع من جرب العين والبخر في الفم والتحجر في العين‏، وعلى الكاهل خليفة الباسليق وتنفع من وجع المنكب والحلق‏، وعلى أحد الأخذعين خليفة القيفال وتنفع من ارتعاش الرأس وتنفع الأعضاء التي في الرأس مثل الوجه والأسنان والضرس والأذنين والعينين والحلق والأنف لكن الحجامة على النقرة تورث النسيان حقاً كما قيل فإن مؤخر الدماغ موضع الحفظ وتضعفه الحجامة وعلى الكاهل تضعف فم المعدة‏، والأخدعية ربما أحدثت رعشة الرأس فليسفل النقرية قليلاً وليصعد الكاهلي قليلاً إلا أن يتوخى بها معالجة نزف الدم والسعال فيجب أن تنزل ولاتصعد‏، وهذه الحجامة التي تكون على الكاهل وبين الفخذين نافعة من أمراض الصدر الدموية والربو الدموي لكنها تضعف المعدة وتحدث الخفقان‏، والحجامة على الساق وقارب الفصد وتنقي الدم وتدر الطمث.
ومن كانت من النساء بيضاء متخلخلة رقيقة الدم فحجامة الساقين أوفق لها من فصد الصافن والحجامة على القمحدوة وعلى الهامة تنفع فيما ادعاه بعضهم من اختلاط العقل والدوار وتبطىء فيما قالوا بالشيب وفيه نظر فإنه قد تفعل ذلك في أبدان دون أبدان‏، وفي أكثر الأبدان يسرع بالشيب وينفع من أمراض العين وذلك أكثر منفعتها فإنها تنفع من جربها وبثورها لكنها تضر بالدهن وتورث بلهاً ونسياناً ورداءة فكر وأمراضاً مزمنة وتضرّ بأصحاب الماء في العين اللهم إلا أن تصادف الوقت والحال التي يجب فيها استعمالها فربما لم تضر‏.‏
والحجامة تحت الذقن تنفع الأسنان والوجه والحلقوم وتنقي الرأس والفكين‏، والحجامة على القطن نافعة من دماميل الفخذ وجربه وبثوره من النقرس والبواسير وداء الفيل ورياح المثانة والرحم ومن حكّة الظهر‏، وإذا كانت هذه الحجامة بالنار بشرط أو غير شرط نفعت من ذلك أيضاً والتي بشرط أقوى في غير الريح والتي بغير شرط أقوى في تحليل الريح الباردة واستئصالها هنا وفي كل موضع‏، والحجامة على الفخذين من قدام تنفع من ورم الخصيتين وخراجات الفخذين والساقين والتي على الفخذين من خلف تنفع من الأورام والخراجات الحادثة في الأليتين‏، وعلى أسفل الركبة تنفع من ضربان الركبة الكائن من أخلاط حادة ومن الخراجات الرديئة والقروح العتيقة في الساق والرجل‏، والتي على الكعبين تنفع من احتباس الطمث ومن عرق النسا والنقرس‏.
وأما الحجامة بلا شرط فقد تستعمل في جذب المادة عن جهة حركتها مثل وضعها على الثدي لحبس نزف دم الحيض وقد يراد بها إبراز الورم الغائر ليصل إليه العلاج وقد يراد بها نقل الورم إلى عضو أخس في الجوار وقد يراد بها تسخين العضو وجذب الدم إليه وتحليل رياحه وقد يراد بها رده إلى موضعه الطبيعي المنزول عنه كما في القيلة وقد تستعمل لتسكين الوجع كما توضع على السرة بسبب القولنج المبرح ورياح البطن وأوجاع الرحم التي تعرض عند حركة الحيض خصوصاً للفتيات، وعلى الورك لعرق النسا وخوف الخلع، وما بين الركبتين نافعة للوركين والفخذين والبواسير ولصاحب القيلة والنقرس‏، ووضع المحاجم على المقعدة يجذب من جميع البدن ومن الرأس وينفع الأمعاء ويشفي من فساد الحيض ويخف معها البدن ونقول‏:‏ إن للحجامة بالشرط فوائد ثلاث‏:‏ أولاها‏:‏ الاستفراغ من نفس العضو ثانيتها‏:‏ استبقاء جوهر الروح من غير استفراغ تابع لاستفراغ ما يستفرغ من الأخلاط وثالثتها‏:‏ تركها التعرّض للاستفراغ من الأعضاء الرئيسة.
ويجب أن يعمق المشرط ليجذب من الغور وربما ورم موضع التصاق المحجمة فعسر نزعها فليؤخذ خرق أو اسفنجة مبلولة بماء فاتر إلى الحرارة وليكمّد بها حواليها أولاً‏، وهذا يعرض كثيراً إذا استعملنا المحاجم على نواحي الثدي ليمنع نزف الحيض أو الرعاف ولذلك لا يجب أن يضعها على الثدي نفسه وإذا دهن موضع الحجامة فليبادر إلى إعلاقها ولا تدافع بل تستعجل في الشرط وتكون الوضعة الأولى خفيفة سريعة القلع ثم يتدرج إلى إبطاء القلع والإمهال.
وغذاء المحتجم يجب أن يكون بعد ساعة والصبي يحتجم في السنة الثانية وبعد ستين سنة لا يحتجم البتة وفي الحجامة على الأعالي أمن من انصباب المواد إلى أسفل والمحتجم الصفراوي يتناول بعد الحجامة حب الرمان وماء الرمان وماء الهندبا بالسكر والخس بالخل.

ibnsina

الحجامة عند البخاري

باب: أيَّ ساعة يحتجم.

واحتجم أبو موسى ليلاً.. (واحتجم.. ذكرها هنا ليشير إلى أنه لا يتعين وقت للحجامة، من ليل أو نهار.)، عن ابن عباس قال:  احتجم النبي e وهو صائم.

باب: الحجم في السفر والإحرام.

 قاله ابن بُحَينة، عن النبي ﷺ حدثنا مسدَّد: حدثنا سفيان، عن عمرو، عن طاوُس، وعطاء، عن ابن عباس قال: احتجم النبي ﷺ وهو مُحْرِمٌ.

  باب: الحجامة من الداء.

عن أنس رضي الله عنه: أنه سئل عن أجر الحجَّام، فقال: احتجم رسول الله ﷺ، حجمه أبو طيبة، وأعطاه صاعين من طعام، وكلَّم مواليه فخففوا عنه، وقال: (إن أمثل ما تداويتم به الحجامة، والقسط البحري). وقال: (لا تعذِّبوا صبيانكم بالغَمْزِ من العُذْرَةِ، وعليكم بالقُسْطِ) (مواليه) الذين أعتقوه. (فخففوا عنه) من الخراج المفروض عليه. (بالغمز) بالعصر برؤوس الأصابع. حدثنا سعيد بن تليد قال: حدثني ابن وهب قال: أخبرني عمرو وغيره: أن بُكَيراً حدثه: أن عاصم بن عمر بن قتادة حدثه: أن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: دعا المقنَّع ثم قال: لا أبرح حتى تحتجم، فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول: (إن فيه شفاء). (لا أبرح) لا أذهب من مكاني ولا أخرج.

  باب: الحجامة على الرأس.

حدثنا إسماعيل قال: حدثني سليمان، عن علقمة: أنه سمع عبد الرحمن الأعرج: أنه سمع عبد الله بن بُحَينة يحدث:  أن رسول الله ﷺ احتجم بِلَحْيِ جمل من طريق مكة، وهو محرم، في وسط رأسه. وقال الأنصاري: أخبرنا هشام بن حسان: حدثنا عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله ﷺ احتجم في رأسه.

  باب: الحجم من الشقيقة والصداع.

حدثني محمد بن بشار: حدثنا ابن أبي عدي، عن هشام، عن عكرمة، عن ابن عباس: احتجم النبي ﷺ سفي رأسه وهو محرم، من وجع كان به، بماء يقال له لحْيُ جَمَلٍ. وقال محمد بن سواء: أخبرنا هشام، عن عكرمة، عن ابن عباس: أن رسول الله ﷺ احتجم وهو محرم في رأسه، من شقيقة كانت به. (شقيقة) وجع في أحد شقي الرأس، والصداع ألم في أعضاء الرأس. حدثنا إسماعيل بن أبان: حدثنا ابن الغسيل قال: حدثني عاصم بن عمر، عن جابر بن عبد الله قال: سمعت النبي e يقول: (إن كان في شيء من أدويتكم خير، ففي شربة عسل، أو شرطة محجم، أو لذعة من نار، وما أحب أن أكتوي).

Hijamah courses

الحجامة عند ابن قيم الجوزية

يقول ابن القيم الجوزية في كتابه “الطب النبوي”: (وأما منافع الحجامة فإنها تنقي سطح البدن أكثر من الفصد، والفصد لأعماق البدن أفضل، والحجامة تستخرج الدم من نواحي البدن. والتحقيق في أمرها وأمر الفصادة أنهما يختلفان باختلاف الزمان والمكان والأسنان والأمزجة. وقد نص الأطباء على أن البلاد الحارة، الحجامة فيها أنفع وأفضل من الفصد، وتستحب وسط الشهر وبعد وسطه وفي الجملة في الربع الثالث من أرباع الشهر، لأن الدم في أول الشهر لم يكن بعد قد هاج وتبيغ وفي آخره يكون قد سكن، وأما في وسطه وبعيده فيكون في نهاية التزايد.).. وبعد أن يورد ابن القيم ما ورد من أحاديث نبوية في الحجامة يخلص إلى القول: (ومن ضمن هذه الأحاديث استحباب التداوي، واستحباب الحجامة وأنها تكون في الموضع الذي يقتضيه الحال، وجواز احتجام المحرم وإن آل إلى قطع شيء من الشعر فإن ذلك جائز وفي وجوب الفدية عليه نظر ولا يقوى الوجوب. وجواز احتجام الصائم، لكن هل يفطر بذلك أم لا؟ مسألة أخرى والصواب الفطر بالحجامة لصحته عن رسول الله من غير معارض، وفيها دليل على جواز استئجار الطبيب وغيره من غير عقد إجارة بل يعطيه أجرة المثل أو ما يرضيه وفيها دليل على جواز التكسب بصناعة الحجامة فإن النبي e أعطى الحجام أجره ولم يمنعه من أكله.).

الحجامة عند ابن القف

ذكر ابن القف (630هـ – 685هـ) الحجامة في كتابه الجراحة فقال: (إن الحجامة عند الجراحين تعنى بالمادة الدموية المستولية على ظاهر البدن لإخراجها أما بشرط (رطبة) أو بلا شرط (جافة)، والتي بغير شرط إما بنار أو بغير نار(مص)، والطبيب خادم الطبيعة يحذو حذو أفعالها وإذا دعت الحركة الطبيعية المادة إلى جهة من الجهات أو مالت هي بنفسها إلى  تلك الجهة، فمن الواجب أن تعان على إخراجها وتجفيف مقدارها وذلك بفتح مجاريها أو بشرط الجلد ثم وضع ما يعين على بروزها بالمحاجم، والحجامة تلزم حين الحاجة لا سيما في الأبدان العليلة مع مراعاة مقدار الشرط (طوله وعمقه بحسب مقدار مادة الخلط وقواها) ويمرخ العضو قبل الشرط تمريخاً قوياً ويعلق عليه المحاجم مرة وأخرى بغير شرط لتنجذب المواد المراد إخراجها.. إما المواضع المناسبة للحجامة فمنها النقرة التي فوق القف بأربع أصابع وتنفع من الرمد وثقل الرأس والقمحدوة والأخدعين في جانبي العنق والذقن والكاهل بين الكتفين والمنكب مقابل الترقوة من الخلف والناغض خلف اليد، والمحاجم بغير النار فتمص مصاً بالغاً وتريح العضو لتسكين الوجع، والمحاجم بالنار فيوضع قطن داخل المحجمة أو في قدح مناسب ويوقد فيه نار ثم تلقمه العضو فإنه يجذبه ويمصه مصاً قويا.).

الحجامة عند الزهراوي

حدد أبو القاسم خلف الزهراوي المتوفى سنة (404هـ) في “كتابه التصريف لمن عجز عن التأليف” مواضع الحجامة بقوله: (والمحاجم التي تستعمل بالشرط وإخراج الدم له أربعة عشر موضعا من الجسم أحدها محاجم الفقرة وهو مؤخر الرأس والكاهل وهو وسط القفا ومحاجم الأخدعين وهما صفحتا العنق من الجانبين جميعا ومحاجم الزمن وهو تحت الفك الأسفل من الفم ومحاجم الكتفين ومحاجم العصعص على عجب الذنب ومحاجم الزندين وهما وسط الذراعين ومحاجم الساقين ومحاجم العرقوبين ثم شرح الأمراض المختلفة التي تعالجها الحجامة وإنها مرتبطة بمواقع الحجامة فمثلا يقول عن حجامة الأخدعين أنها تنفع من الأوجاع الحادثة في الرأس والرمد والشقيقة والخناق ووجع أصول الأسنان وعن حجامة العصعص يقول أنها تنفع من بواسير المقعدة وقروح الأسفل ثم تسير في نفس الفصل إلى كيفية الحجامة فيقول إن المحجمة “أداة الحجامة” توقع أولاً فارغة وتمص مصا معتدلا ولا يطال وضع المحاجم وإنما توضع سريعا وتنزع سريعا لتقبل الأخلاط إلى الموضع إقبالا مستويا ويكرر ذلك ويوالي حتى يرى الموضع وقد احمر وانتفخ وظهرت حمرة الدم فحينئذ يشرط ويعاود المص رويداً رويداً، ثم ينظر في حال الأبدان فمن كان من الناس رخص اللحم متخلخل المسام فيشرط شرطة واحدة لا غير لئلا يتقرح الموضع ويوسع الشرط ويعمق قليلا ويعاد المص في رفق وتحريك لطيف فان كان في الدم غلظ فيشرط مرتين في المرة الأول لفتح طريق لطيف الدم ومائيته وأما الثانية فلاستقصاء إخراج الدم الخليط وان كان الدم الغليظ عكراً جدا فيكرر الشرط مرة ثالثة لتبلغ الغاية، ويصف الحد المعتدل في الشرط العميق بأنه عمق الجلد فقط.)[1].

الحجامة عند القيرواني

جاء في كتاب ‏الفواكة الدوائي على رسالة ابن أبي زيد القيرواني في باب حكم التعالج: ‏‏(‏ فوائد تتعلق بالحجامة،‏‏ منها‏:‏ أنه يستحب لمن أراد الحجامة أن لا يقرب النساء قبل ذلك بيوم وليلة وبعده كذلك,‏ ومثل الحجامة في ذلك الفصادة،‏ ومنها‏:‏ أنه إذا أراد الحجامة في الغد يستحب له أن يتعشى في ذلك اليوم عند العصر‏,‏ وإذا كان به مِـرة بكسر الميم فليذق شيئا قبل حجامته خيفة أن يغلب على عقله‏,‏ ولا ينبغي له دخول الحمام في يومه ذلك،‏ ومنها‏:‏ أنه ينبغي أن لا يأكل مالحاً إثر الحجامة فإنه يخاف منه القروح والجرب‏,‏ نعم يستحب له إثرها الحلو ليسكن ما به ثم يحسو شيئا من المرقة ويتناول شيئا من الحلو إن قدر‏,‏ وينبغي له ترك اللبن بسائر أصنافه ولو رائباً,‏ ويقلل شرب الماء في يومه،‏ ومنها:‏ اجتناب الحجامة في نقرة القفا لما قيل من أنها تورث النسيان,‏ والنافعة في وسط الرأس لما روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال‏:‏ (إنها في هذا المحل نافعة من وجع الرأس والأضراس والنعاس والبرص والجذام والجنون)‏ ولا تنبغي المداومة عليها لأنها تضر،‏ ومنها:‏ أنه يستحب ترك الحجامة في زمن شدة الحر في الصيف,‏ ومثله شدة البرد في الشتاء‏,‏ وأحسن زمانها الربيع,‏ وخير أوقاتها من الشهر عند أخذه في النقصان قبل انتهاء آخره.).

______________________

[1].  نقلاً عن جريد الرياض الاثنين 16 صفر 1423هـ العدد (12362).

شارك المحتوى:

Dr. Saleem Talal

Read Previous

الحجامة – احذروا الجهلة واللاهثين خلف المال

Read Next

الأذكار أثناء إجراء الحجامة