محتويات المقال
مقدمة
حرص الإسلام على بناء مجتمع سليم معافى جسدياً ونفسياً, ليكون أفراده أصحاء أقوياء, وهذا ما حث عليه النبي صلى الله عليه وسلّم حينما قال: “المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير”.
وأهمية علم الطب تتأتى من ضرورة إيجاد العلاج, وليس أدل على ذلك من قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: “يا عباد الله تداووا فإن الله لم يضع داء إلا وضع له دواء”.
ومن هنا نجد أن الأطباء العرب تحمّلوا مسؤولية كبيرة تجاه الإنسانية، وأمام الله تعالى فحملوا الأمانة وأدّوها حقّ تأدية, فكان بحثهم في أسباب المرض وطرق علاجها ينبع من دافع ديني أولاً, وإنساني ثانياً, فقدموا الكثير للإنسانية, ليكون عطاؤهم نبع ينهل منه, الداني والقاصي على فترة امتدت لقرون من الزمن كان خلالها الغرب يغرق في مستنقعٍ من الجهل والظلام.
ما هو الطب النبوي؟
هو مجموع ما ثبت وروده عن النبي صلى الله عليه وسلم مما له علاقة بالطب، سواء كان آيات قرآنية أو أحاديث نبوية شريفة، ويتضمن وصفات داوى بها النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه ممن سأله الشفاء، أو أنه دعا إلى التداوي بها، كما يتضمن توصيات تتعلق بصحة الإنسان في أحوال حياته من مأكل ومشرب ومسكن ومنكح، وتشمل تشريعات تتصل بأمور التداوي وأدب الطب في ممارسة المهنة وضمان المتطبب في منظار الشريعة الإسلامية.
منذ القديم قام كثير من العلماء بإفراد الأحاديث النبوية المتعلقة بالطب في مؤلفات خاصة بها، كما قاموا بشرحها والتعليق عليها، وإضافة كثير مما يتعلق بطب الأعشاب إليها، وما ذلك إلا لأهمية علم الطب من جهة، ولإبراز ما وفق الله سبحانه نبيه وهداه إليه من علاجات ونصائح وأدوية وإجراءات كانت تمثل علماً خاصا، ثبت في الواقع المجرب وعند أصحاب الاختصاص صحته وأهميته، يقول ابن القيم رحمه الله في كتابه (زاد المعاد إلى هدي خير العباد): وليس طبه صلى الله عليه وسلم كطب الأطباء، فإن طب النبي صلى الله عليه وسلم متيقن قطعي إلهي، صادر عن الوحي ومشكاة النبوة وكمال العقل، وطب غيره أكثره حدسي وظنون وتجارب، ولا ينكر عدم انتفاع كثير من المرضى بطب النبوة، فإنه إنما ينتفع به من تلقاه بالقبول واعتقاد الشفاء به، وكمالُ التلقي له بالإيمان والإذعان، فهذا القرآن الذي هو شفاء لما في الصدور، إن لم يتلق هذا التلقي لم يحصل به شفاء الصدور من أدوائه، بل لا يزيد المنافقين إلا رجساً إلى رجسهم ومرضاً إلى مرضهم.
الحث على المداواة
“تداووا عبـاد الله”..
حديث صحيح رواه الأربعة، فعن أسامة بن شريك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
“تداووا يا عباد الله، فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء، إلا داء واحدا، الهرم”.
وروى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
“ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء”.
وروى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
“لكل داء دواء ، فإذا أصيب دواء الداء برئ بإذن الله تعالى”.
وعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
“ما خلق الله من داء إلا وجعل له شفاء،علمه من علمه،وجهله من جهله، إلا السام”. والسام الموت رواه ابن ماجه
وفي هذه الأحاديث حث على المداواة . وأن الأدوية ما هي إلا وسائل جعلها الله طريقاً للشفاء.. وفي قوله صلى الله عليه وسلم: “علمه من علمه، وجهله من جهله” حث للأطباء المسلمين على البحث والاستقصاء لاكتشاف أدوية لأمراض لم يعرف لها بعد دواء.. وقد ربط النبي صلى الله عليه وسلم الشفاء بموافقة الدواء للداء، فلكل دواء مقدار معين يعمل به، وينبغي ألا يزيد ولا ينقص.
وتعاليم الإسلام كلها تدفع إلى المحافظة على الصحة والارتقاء بها في كافة المجالات ليعيش الإنسان حياة سعيدة طيبة في الدنيا والآخرة.
وإذا كان الإسلام قد أوجب المحافظة على الضرورات الخمس وهي:
الدين والنفس والعرض والمال والعقل، فإن ثلاثاً من هذه الضرورات تتصل بوجوب المحافظة على صحة البدن، ألا وهي النفس والعرض والعقل.. والطب يحفظ البدن ويدفع عنه غوائل المرض.. يقول الإمام الشافعي: “صنعتان لا غنى للناس عنهما: العلماء لأديانهم والأطباء لأبدانهم”.. ويقول أيضا: “لا أعلم علما بعد الحلال والحرام أنبل من الطب”.
كتب الطب النبوي
أفرد جميع علماء الحديث في كتبهم التي جمعوها من كلام النبوة أبواباً خاصة تحت اسم “باب الطب”، وكان البادئ منهم في ذلك الإمام مالك في موطئه، وتبعه في ذلك البخاري فمسلم فأصحاب السنن وغيرهم.
وأول مصنف مستقل عرف لدى المؤرخين في مجال الطب النبوي هي رسالة موجزة للإمام علي الرضا بن موسى الكاظم ( المتوفى عام 203 هـ – 811 م )، وقد حققها ونشرها الأستاذ الدكتور محمد علي البار، ثم ظهر كتاب “الطب النبوي” لعبد الملك بن حبيب الأندلسي ( المتوفى عام 238 هـ – 853 م ) وكان فقيها محدثا لقب بعالم الأندلس، وهو أول كتاب في الطب النبوي يذكر فيه الأحاديث والأبواب، وقد حقق الكتاب مع تذييله بحاشية قيمة علمية الدكتور محمد علي البار.
ويعتبر الموفق عبد اللطيف البغدادي (المتوفى عام 629 هـ – 1231 م.) أول طبيب قام بشرح طبي لأحاديث الطب النبوي، وكان طبيبا فقيها ونحويا وفيلسوفا، ومن مؤلفاته “الطب من الكتاب والسنة” الذي حققه الدكتور عبد المعطي قلعجي.
وألف علماء آخرون كتبا في الطب النبوي ومنهم ابن السني، وأبو نعيم الأصبهاني، والتيفاشي، والكمال بن طرخان، والإمام الذهبي وغيرهم.
أما الإمام ابن قيم الجوزية فكان من كبار علماء دمشق، ويعتبر كتابه “الطب النبوي” أشهر الكتب المصنفة في هذا الفن.
ويعتبر كتاب الإمام جلال الدين السيوطي المتوفى سنة 911 “المنهج السوي والمنهل الروي في الطب النبوي” من أجمع كتب الطب النبوي، لأنه حوى معظم ما كتبه السابقون عليه بالإضافة إلى توسعه في علم الحديث.