العلماء يطرحون عقار الفياغرا كأحد علاجات الالتهابات المزمنة في الجهاز الهضمي
لا تزال العديد من الأمراض المزمنة تحير الباحثين في أسباب نشوئها. وفي تعليل حالات التأرجح التي تعتري المصابين بها. بين انتكاسات تعقبها فترات خمود. وفي حين أن الكثيرين يعتقدون أن المتسبب فيما يبدو كحالة من الإفراط والتهيج في نشاط جهاز المناعة. هو قوة زائدة لهذا الجهاز المتغلغل في كل أرجاء الجسم وأحد علامات عدم ضعفه. فإن للباحثين من بريطانيا رأياً مخالفاً. إذْ يقولون عند حديثهم عن أحد أنواع تلك الأمراض وهو «مرض كرون» ان السبب هو ضعف قدرات وكفاءة جهاز المناعة، لا قوته ونشاطه الزائد
وتتوالى حتى اليوم بين الأطباء أصداء دراسة نشرت في فبراير الماضي من مجلة لانست العلمية للباحثين من جامعة لندن طرحت أمرين حول مرض كرون تحدث فيهما البروفيسور أنتوني سيغال قائلاً: إنك تتصور حينما ترى أحد هؤلاء المرضى ممن توجد لديهم كمية كبيرة من عمليات الالتهابات أن الأمر نتيجة زيادة في التفاعل المناعي. لكننا نعتقد أن الأمر عكس ذلك. وهو أنه فشل في عمليات التفاعل المناعي.
فرضية جديدة
وتوصل الباحثون الى فرضيتهم هذه بعدة طرق. لعل أهمها هو قياسهم نسبة وجود نوع معين من خلايا الدم البيضاء. التي يكثر عادة تجمعها في مناطق الجسم الملتهبة إما بفعل الإصابة أو اختراق الميكروبات لها. ولاحظوا أن النسبة منخفضة لتجمع خلايا نيوتروفيل والمواد الكيميائية المناعية في مناطق الجلد والأمعاء لدى مرضى كرون عند إصابتها بما يثير جهاز المناعة ويستدعي تجمع هذا النوع من الخلايا في الحالات الطبيعية لقوة جهاز المناعة. وبلغت نسبة الانخفاض حد 79 % مقارنة بالناس الطبيعيين. كما ولاحظوا أن عند حقن كمية من البكتيريا غير الضارة تحت الجلد. فإن تدفق الدم لدى الطبيعيين من الناس زاد عشرة أضعاف نحو تلك المنطقة. بينما الزيادة في حالات مرضى كرون لم تتجاوز بحال نسبة أربعة أضعاف. ولدى فحص خلايا المناعة نفسها. لم يجد الباحثون أي عيب أو ضعف فيها، بل القصور هو تبليغها رسالة التوجه الى مثل مناطق الالتهابات، والتي ترسلها مراكز السيطرة في جهاز المناعة الى هذه الخلايا عادة. ولذا فإن التغلب والقضاء على البكتيريا يقل في حالات كرون. وكأحد الحلول المطروحة لقلة تدفق الدم الى مناطق الالتهابات، خاصة في الأمعاء المعرضة ليزليونات من البكتيريا يومياً لدى مرضى كرون، فإن الباحثين يقترحون الاستفادة من قدرات عقار فياغرا على توسيع الأوعية الدموية وتسهيل تدفق المزيد من الدم الى مناطق الالتهابات لديهم. لكن البروفيسور سيغال استدرك قائلاً: إن هذا لا يعني أن يترك المرضى علاجاتهم ويتوجهوا الى فياغرا، فما هو متوفر من أدوية اليوم هو أفضل الموجود لمعالجة هذا المرض على حد وصفه.
مرض كرون
ويعتبر مرض كرون أحد أمراض الجهاز الهضمي المنتشرة بنسب متفاوتة في المجتمعات العالمية المختلفة لأسباب لا تزال مجهولة، ويعاني منه في الولايات المتحدة أكثر من نصف مليون شخص.
والمرض مثله مثل مرض تقرحات الأمعاء الغليظة، التي يجمعها مع مرض كرون تعبير أمراض التهابات الأمعاء، تتسبب في نوبات من الألم والإسهال وغيرها من اضطرابات وظائف الأمعاء، والتي قد يؤدي بعض من تداعياتها الى تدهور قد تطال سلامة حياة المصاب بها. وهذان المرضان يتشابهان في بعض الأعراض لأن الالتهاب يطال نفس المناطق في كليهما وخاصة بطانة القولون، الأمر الذي يسبب نوبات شديدة ومؤلمة من الإسهال وربما المصحوب بالدم، إضافة الى آلام في البطن.
في حين تقتصر عمليات الالتهاب لدى مرضى تقرحات الأمعاء الغليظة على الطبقة المبطنة للقولون والمستقيم، فإن عمليات التهاب تطال مناطق أعمق في بنية طبقات الأمعاء، كما وقد تصيب أي منطقة في الجهاز الهضمي بدءا من الفم وحتى فتحة الشرج مروراً بالمريء والمعدة والأمعاء الدقيقة والغليظة. هذا بالإضافة الى تأثر أعضاء عدة في الجسم كما هو موضح في الرسم التوضيحي المرفق بالمقال والمستلهم من نشرات جون هوبكنز ومايو كلينك.
وبالرغم من عدم توفر علاج يقضي على أصل المرض، إلا أن الكثير من استراتيجيات المتابعة والعلاج تُقدم الكثير مما بمحصلته يتمكن المرء المصاب من تخفيف معاناته المرضية.
وتختلف النظريات المطروحة في أسباب ظهور الاضطرابات المناعية التي بمؤداها تغزو خلايا مناعة الجسم، بطريقة الخطأ أو المهاجمة العمياء إن صح التعبير، مناطق من جسم الإنسان يعتبرها جهاز المناعة عناصر خارجية دخيلة في الأمعاء. لكن أكثر الباحثين لا يعتقدون اليوم أن نوع الغذاء أو معايشة ضغوطات من أي نوع سبب فيه، بل ربما لها تأثيرات على ظهور نوبات الانتكاسات أو زوالها. وتركز النظريات على ثلاثة جوانب، فالبعض يعتقد أن الإصابة بأحد الميكروبات الفيروسية أو البكتيرية هو ما يثير اضطرابات جهاز المناعة. ويركز آخرون على دور الوراثة في الأمر ويستدلون بأنواع عدة من التغيرات في الشفرات الجينية لدى هؤلاء المرضى. بينما يعلل بعضهم الآخر أن هناك دوراً للظروف البيئية، ويستدلون بأن الأمر يكثر في الدول الصناعية ومدنها الكبيرة. إلا أن الحقيقة هو أن كلها محتملة وغيرها كذلك، لكن هناك بالاستقراء عوامل تجمع بين كثير من المصابين. فبالرغم من أن المرض قد يصيب الإنسان في أي سن، إلا أن صغار السن ما بين 15 و 35 سنة عرضة بشكل أعلى. ولو أن أحد الأقارب المقربين مصاب به فإن الاحتمالات ترتفع، وتشير بعض المصادر الى حد 30 ضعفاً لدى من أصيبت أخته أو أخوه تحديداً. ويعتبر سكان المناطق الباردة والشمالية من العالم عرضة بشكل أكبر، وإن تطور وسائل التشخيص أظهر في السنوات القليلة الماضية وجود حالات أكثر مما كان يُظن في السابق في مناطق الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا.
وتتشعب العلاجات المتوفرة إلا أن المقصود الرئيسي منها هو خفض فرط وزيادة نشاط جهاز مناعة الجسم، إضافة الى المضادات الحيوية. كما ويختلف العلاج حال التعرض لبعض الانتكاسات كانسداد الأمعاء أو غيره.