في بداية العصر الحديث وأواخر عصر النهضة, كان من آثار اكتشاف وإنتاج المضادات الحيوية وخافضات الحرارة تأثير هائل على الناس, لقوتها وفاعليتها في محاربة الأمراض وأغفلوا الآثار الجانبية التي تحدثها هذه الأدوية من جيل إلى آخر حتى ظهرت سوأتها وفشلها في معالجة الكثير من الآلام.
فمن بدايات تدوين كتب الطب الحديثة حتى عام1960م. لم تكن تصدر مجلة أو كتاب طبي إلا وذكرت فيه الحجامة وفصلت فيه فوائدها وطرق إجرائها حيث كانت تستخدم لعلاج كثير من الأمراض منها ضغط الدم والتهاب عضلة القلب ولتخفيف آلام الذبحة الصدرية كما كانت تستخدم في علاج أمراض الصدر والقصبة الهوائية وكذلك آلام المرارة والأمعاء والخصيتين، ولعل من أهم أسباب اختفاء الحجامة في الستينيات من القرن المنصرم هي الأسباب الاقتصادية حيث ذكر هاشم القزويني في كتابه (الوقاية والعلاج) عندما دخل الاستعمار بلادنا (شبه القارة الهندية وإيران) منع الحكماء القدامى من معالجة المرضى وممارسة الطب القديم وفي عام 1953م. تم تعميم قانون رقابة العلاج وتمثل في منع الحجامة والقبض على الحجامين في مختلف مناطق البلاد.
ولكن مع التوسع في استخدام الأدوية الكيماوية المركبة واكتشاف الآثار الجانبية لها, وجشع شركات الأدوية العملاقة بالتحكم والاتجار بصحة الملايين من البشر, هذا كله دفع الأطباء لسبر عمق الماضي والتنقيب عن علاجات شافية, وفي تسعينيات القرن الماضي ومع توسع طرق الاتصال وانتشار الإنترنت ظهرت أبحاث ودراسات موثقة أرتقت إلى درجة العالمية بخاصة مؤلفات البروفوسور الألماني (يوهان آبله) وكتابه القيم (الحجامة أسلوب علاجي مجرب) وأيضا دراسته القيمة (الفصد والحجامة), التي كانت خلاصة لأكثر من عشرين سنة من البحث والتنقيب في الحجامة ونتائجها, وهكذا ظهرت في ألمانيا مدرسة جديدة في العلاج وسميت بـ (Fask) وأزيل الجهل عن الحجامة وعادت هذه الطريقة للظهور من جديد, وتطورت أدواتها من حيث التشخيص والعلاج, وأصبح التعقيم واستخدام الكؤوس يتم تحت إجراءات طبية ووقائية صارمة، وظهرت في الأسواق أدوات الحجامة الحديثة منها الزجاجية التي يمكن تعقيمها ومنها الأدوات البلاستيكية والتي تستخدم لمرة واحدة فقط.
أما الكمبيوتر فأصبح يلعب دورا أساسيا في تحديد مواضع الحجامة, وارتقت هذه الطريقة العلاجية لتدرس في معاهد خاصة أو ملحقة بمنهاج كليات الطب, والحجامة الآن منتشرة من أمريكا إلي ماليزيا.. ومن خلال بحثي في مواقع الإنترنت وبالذات مواقع الجامعات والأبحاث والمعاهد العلمية تفاجئت مثلاً من تدريس الحجامة في جامعة عريقة مثل جامعة نيويورك ففيها يوجد سبعة أقسام رئيسية أحد هذه الأقسام يسمى الطب الشرقي (Oriental Medicine) وفيها تدرس الحجامة[1] وهذا مما يدعو للتحسر والأسف فأكثر أبحاث الحجامة تجرى في أماكن غير عربيه على يد أطباء غير مسلمين, بينما في البلاد العربية لا نشاهد معاهد أو حتى مدارس خاصة لتعليم الحجامة بل تقوم العديد من الجهات في الدول العربية بمحاربة الحجامة وكل هذا بتأثير مغريات شركات الأدوية الضخمة التي وجدت من المسلمين سوقاً رائجة وهنا وللحقيقة يجب ذكر المجهود العظيم الذي قام به الفريق الطبي السوري وكذلك مؤسسة أبحاث الحجامة في إيران, كذلك لا ننسى الدور التي تقوم به القنوات الفضائية والذي أسهم في نشر الحجامة.
[1] يمكن مراجعة الموقع الإلكتروني للجامعة على: www.nyu.edu