يستغل البعض اهتمام الناس بموضوع الحجامة في الفترة الأخيرة فيقوم هؤلاء ممن أسميهم بـ (الجهلة) بأفعال هي أقرب ما تكون للشعوذة فيخلطون الأمور العلمية الطبية المثبتة بكلام رخيص وممارسات بدائية فلا يعلم الإنسان البسيط الناظر لهم بما يقومون به، ويعتقد بما يفعلونه خيراً غير مدركاً أن هذا على حساب صحته أولاً ثم على حساب جيبه التي تفرغ لجيوب هؤلاء الدخلاء الذين يحققوا من ورائها غاياتهم المادية حتى ولو كانت على حساب صحة البشر ضاربين بالقوانين الطبية العلمية الصارمة في عملية الحجامة عرض الحائط.
لعلي لا أبالغ إن قلت بأن كل المخاطر التي قد تنتج عن عملية الحجامة تعود إلي وجود من ذكرتهم من معدومي الخبرة سواء بالجانب التشريحي لجسم الإنسان من جهة أو بالحجامة نفسها من جهة أخري، هذا وقد أدي انتشار ظاهرة الحجامة في ظل انشغال السلطات الطبية بمهاجمة الحجامة بدلاً من تقنينها ورعايتها، إلي ما يمكن تسميته بالسوق السوداء للحجامة.. فكل من هب ودب يدعي معرفته وخبرته بالحجامة، كل هذا بلا رقابة، وبلا أدنى وعي طبي.
ومع كل هذا فأن أي قصور في الحجامة كأسلوب من أساليب الطب البديل أو الطب التكميلي، لا يعني أبداً قصور في فوائدها واستطباباتها، وأقول وأنا كُلي ثقة بذلك؛ أن المخاطر التي قد تظهر في عملية الحجامة لا تعود إلا إلى ألأخطاء في الممارسة.. وهنا يجب أن أشير أن البعض يسوق أمثلة سلبية من نتائج الممارسة السلبية للحجامة لإدانة الحجامة دون أدني إشارة إلي قصور وأخطاء الممارسة، وفي هذا تجنِ كبير على الحجامة، إذ أن أخطاء الممارسة لا تعني بالمرة قصور في الأسلوب.. وكتوضيح لذلك أقول بأننا نقرأ ونسمع في كل فترة وأخرى عن أن هناك حالات لا حصر لها من أخطاء في العمليات الجراحية وحتى البسيطة منها، فهل يعني ذلك قصور في التدخل الجراحي؟.. بالطبع لا.. وكذلك الحال في أخطاء الحجامة، فهي تعود إلي أخطاء في الممارسة ولا علاقة لها بالحجامة كأسلوب فعال من أساليب الطب البديل.
أن أية مخالفة لأي شرط من شروط الحجامة تؤدي إلى نتائج سلبية تؤثر على صحة الإنسان، لذا فإجراءات ممارسة عملية الحجامة وسلامة تطبيقها واستبشار نتائجها الباهرة هي السبيل السليم والقويم لإجراء هذه العملية بما يحفظ صحة الناس وسلامتهم وعدم التلاعب بحياتهم الثمينة في إطار الجهل والشعوذة والابتزاز.
ومعلوم طبعاً بأن كل الديانات والشرائع الإنسانية وكذلك القوانين الطبية تدين وجود مثل هؤلاء المُدّعيين معدومي الخبرة والذين لا يصلحون لممارسة أي أسلوب من أساليب التطبيب سواء الحجامة أو غيرها, وليعلم مثل هؤلاء بأن الرسول صلي الله عليه وسلم قد أشار على مسئولية الطبيب عن جنايته بعموم النهي عن الضرر فقد روى الإمام مالك في الموطأ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لا ضرر ولا ضرار”، وعن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من تطبب ولم يُعلم منه طب فهو ضامن”. أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه والحاكم. أي من تكلف في الطب فهو ضامن لما تلف بفعله وبهذه الأحاديث يستدل العلماء على تضمين الطبيب إذا أخطأ أو تعدى مما أمر به العقل، فحكم الطبيب في هذه الحالة كالجاني المتعدي بجناية، فكما يضمن الجاني سراية جنايته وخطئه فكذلك الطبيب يضمن سراية ما تسبب به، ولو أن كل إنسان لزم حده وقال لا علم لي سلوا أهل العلم لزال كثير من الشر، لكن الخلل أن يتكلم بعضهم في كل فن، وهذا من الجهالة وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا لما دخل الشافعي إلى بغداد قابله الإمام أحمد واستفاد منه، فجاء رجل إلى الإمام أحمد فقال: يا إمام أو يا أبا عبد الله إنه يقول كذا وكذا؟ فقال أحمد رحمه الله تعالى: إن هذا ليس من بابتك، إن هذا للفقه وإن الرجل فقيه فكن في الحديث.